الجمعة، 20 نوفمبر 2015

وحوش دولة الإرهاب



بقلم: رندة تقي الدين
 ضربة وحشية موجعة في قلب باريس أسقطت 132 بريئاً وأكثر من ٣٠٠ جريح. الوحوش كلهم من أصول عربية ويحملون جنسيات مزدوجة، بعضهم بلجيكي وبعضهم الآخر فرنسي. فهذه المجازر التي حصلت وقبلها تفجير الضاحية الجنوبية في بيروت وتفجير الطائرة الروسية في سيناء كلها إرهاب مروع ومفجع.
صحيح ما قاله الرئيس فرنسوا هولاند أن سورية أصبحت مصنعاً للإرهاب. فإرهاب «داعش» ما كان ليتغلغل في الأراضي السورية ويسيطر على الرقة وغيرها لتنظيم شبكاته وإقامة «دولته» لو لم تسمح له سياسة بشار الأسد في سورية بأن يفعل ذلك. وفي ٢٠١١ عندما بدأت الأحداث في سورية، رد النظام الأسدي بالقتل واستخدام الطائرات والبراميل على شعبه ناعتاً إياه بالإرهابي لأن بعض أبنائه طالب بالحرية. وارتكب باراك أوباما خطأ في سياسته السورية الكارثية. ففي عام ٢٠١٣، لو لم يعدل عن ضرب قواعد الطيران السوري وبعض مواقع النظام لما وصلنا إلى الوضع الراهن حيث يسرح وحوش «داعش» ويمرحون في الأراضي السورية، ولما دخلت إيران و «حزب الله» الحرب إلى جانب النظام ناقلين الصراع السوري إلى لبنان.
إن ما حصل من استهداف وحشي للأبرياء في بيروت وباريس وسيناء ينبغي ألا يغير سياسة الذين كانوا مصرين على حل انتقالي في سورية من دون الأسد لأنه ونظامه يتحملان مسؤولية هذا الإرهاب، فكم تفجير إرهابي استهدف أبرياء لبنانيين عارضوا سياسته قبل الحرب السورية؟ إن الخيار بين الأسد أو الإرهابيين الوحوش ليس طرحاً منطقياً، بل هو طرح أسدي على العالم الغربي. فـ «داعش» والأسد هما على الخط نفسه والأساليب نفسها. والتفجيرات التي استهدفت شهداء لبنان المعارضين لسياسة الأسد كلها متشابهة. لكنها اليوم تقدمت بالوحشية مع إلقاء البراميل على الشعب، ثم إخلاء الأماكن لتقدم «داعش» الذي أصبح الأقوى في هذه الحرب الوحشية.
إن ما حدث في باريس يطرح أيضاً السؤال على الأوروبيين، كيف يمكن أن تترك السلطات البلجيكية معاقل لهؤلاء الوحوش في مولنبيك، ضاحية بروكسيل، من حيث انطلقت شبكات القتل التي نفذت جرائم الباتاكلان واستاد دو فرانس ومقاهي حي الريبوبليك. فمن المذهل أن صلاح عبدالسلام الفرنسي الذي كان مقيماً في مولنبيك وما زال فاراً كان استأجر سيارة من بلجيكا لإطلاق المجرمين النار منها. وأخوه إبراهيم كان معه وفجر نفسه وهو صاحب مقهى كحول في الحي البلجيكي أغلق بسبب المخدرات والإخلال بالنظام العام. ولم يتم توقيفه من قبل أو مراقبة أعماله والشبكة التي كان يعمل معها. وفجأة وبعد هذه الجرائم المروعة التي ارتكبها هؤلاء نكتشف أن مولنبيك هو الحي البلجيكي من حيث انطلق عدد من المجرمين. والمكان الذي يقيم فيه أئمة متطرفون يلعبون بأذهان الشباب ويدّعون الإسلام في حين أنهم دعاة الإجرام لا غير. فكيف يترك هؤلاء ينتقلون من مدينة إلى أخرى في أوروبا من دون مراقبة مشددة ومن دون توقيفهم؟
قال هولاند أن الجرائم نظمت في بلجيكا ونفذت في باريس بتوجيه من مجرم في سورية. وهذا المجرم الذي نظم جريمة باريس هو بلجيكي عمره ٢٨ سنة لقبه أبو عمر السوسي موجود في سورية وذهب من بلجيكا إلى الرقة في ٢٠١٣، ووالده صاحب متجر للثياب في ضاحية مولنبيك. فكيف تركت ضاحية بروكسيل تتحول إلى معقل الإرهاب والتطرف المجنون والسلطات البلجيكية لم تر شيئاً؟
دعا هولاند إلى ائتلاف عالمي لضرب «داعش». إنها مطالبة مشروعة إزاء مجازر الأبرياء في باريس، لكنها تطرح أسئلة عدة: كيف يتشكل ائتلاف من دول تدعم بشار الأسد على الأرض مثل روسيا وإيران؟ وأيضاً ما هي فاعلية ضرب «داعش» فقط من الجو طالما أن أوباما يرفض أي تدخل على الأرض؟ وكيف تكون محاربة فعالة من دون الانتقال السياسي في سورية مع خروج بشار الأسد من الصورة وإلا استطاع «داعش» أن يجيش المزيد من السنّة في صفوفه؟ إن الحل السياسي للصراع السوري ملح بمقدار ما هو ضرب «داعش» الذي يتباهى بوحشية مرعبة. رحم الله ضحايا بيروت وباريس وروسيا والمطلوب حل كامل للصراع السوري وليس فقط للوحش «داعش»، وهذا يتطلب جهداً وتحركاً فاعلاً من السيد أوباما الذي افتقد منذ البداية أية استراتيجية للحل في سورية وترك الأمور لفلاديمير بوتين وقاسم سليماني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق